السبت، 27 مايو 2017

حكايات حفصة (قصة للأطفال)

Posted by ahmed shapaan  |  at  4:13 م



حكايات حفصة



في تلك الحديقة الغنَّاء كانت المَناظر رائعةً، والأشجار الصغيرة تهتزُّ أوراقها سعيدة بدخولنا، والأشجار الكبيرة تُعانق السماء في ودٍّ حاجبةً ضوء الشمس عنا، والعصافير متخذة من الشجر عششًا لها شاديةً بأعذب الألحان، وكلما نظرتَ في كل اتجاه تجد اللون الأخضر قد تربَّع ملكًا متوجًا على الحديقة والأشجار، تاجًا على رؤوسها تُزيِّنه الورود الحمراء والصفراء والوردية والبنفسجية كاللآلئ، وتتناغم الألوان في انسجام، فما أجملَ خَلْقَ الله!

فرشتْ أمي الملاءة بأرض الحديقة.

آه، لقد نسيتُ أن أعرفكم بنفسي وأسرتي، فأنا حفصة، وأختي عائشة، وأخواي محمد وعبدالله، وأبي يعمَل مُعلِّمًا، وأمي ملِكَةٌ في منزلها تَحفظ الله في أبي، وحريصة على تعليمنا آداب دينِنا وتعاليمه.

نتنافس أنا وإخوتي في حفظ كتاب الله، ومُحافظون على صلواتنا في أوقاتها، نُخرِج من مصروفنا صدقةً صغيرة، وأمي تُخبرنا أن الله يربِّيها لنا.

عوَّدنا أبي كل إجازة أُسبوعية أن نذهَب في رحلة للترفيه وتأمُّل خلْق الله، والاستماع إلى دروس أبي الشيقة.

بدأ أبي حديثه الماتع وقال لنا: أبنائي الأعزاء، اليوم نتكلم عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمَن كانتْ هِجرته إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومَن كانتْ هِجرتُه لدنيا يُصيبها، أو امرأةٍ يَنكحها، فهِجرتُه إلى ما هاجر إليه))؛ رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، والذي طلبتُ منكم حفظه في الأسبوع الماضي.

بادئ ذي بدء، هناك شرطان أحبائي لِقَبول الأعمال عند الله سبحانه وتعالى؛ الشرط الأول: النية؛ فلا بدَّ قبل أي عمل أن أستحضِرَ النية، هل هذا العمل أريد به وجهَ الله تعالى أو لا؟
أقف مع نفسي.

الشرط الثاني: أن يكون مُطابقًا لما جاء به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فمثلاً يا أولادي: قبل الأكل أستحضر نية أنه امتثالٌ لأمر الله عز وجل؛ لأنه - سبحانه تعالى - قال: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ [الأعراف: 31]، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أكله، وأنه حفاظٌ للجسم؛ لأن الله أمَرَنا بعدم إلقاء النفس إلى التَّهْلُكة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، وأنه للتقوِّي على طاعة الله، ونيَّة التكفُّف عن الناس.

وفي الوقت نفسه يا أحبائي ألتزم بآداب النبي صلى الله عليه وسلم في طعامي؛ حيث قال: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يلَيك))؛ رواه البخاري ومسلم.

فنطبِّق هذا الحديث؛ نبدأ باسم الله، والأكل باليمين، ومِن الصحن الذي أمامك، فإن نسيتَ أن تُسمِّي في أوله، وتذكَّرْتَ في أثنائه، فقل: بسم الله أوله وآخره؛ كما أرشد إلى ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روتْه عائشة، وأخرجه أبو داود والترمذي.

وانتبهوا يا صغاري لحديثٍ مُنتشِر بين الناس، وهو: "اللهمَّ بارك لنا فيما رزقتَنا، وقِنا عذاب النار"؛ فهو حديث مُنكَر لا يصحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا ننفخ يا أبنائي في الطعام؛ فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الطعام والشراب‏.‏

ولا نُسرف؛ فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لُقيمات يُقِمْن صلبه، فإن كان لا بدَّ فاعلاً فثُلُث لطعامه، وثُلُث لشرابه، وثُلُث لنفَسِه))؛ رواه الترمذي وحسَّنه.

ولا نَردُّ موجودًا، ولا نغضب على طعام أمِّنا.
ثم نحمد الله بعد الأكل؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: ((الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غير مَكْفِيٍّ، ولا مُستغنًى عنه ربَّنا))؛ رواه البخاري.

وهكذا يا أبنائي، فالنيَّةُ يتميز بها العملُ إن كان عادةً أو عبادة، وتتميَّز بها الأعمالُ؛ الفرض مِن النفل، وتُلاحظون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما))، فيها إشارة للعمل، و((إنما الأعمال بالنيات)) فهنا إشارة لنية الإنسان، هل عمل لله أو عمل للدنيا؟
((فمَن كانت هِجْرَتُه إلى الله ورسوله...))؛ أي: قاصدًا بعمله الله ورسوله، أي: يريد الوصول إلى الله، أي: يريد ثوابه ويريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليَفوز بصحبته في الجنة، ويعمل بسنَّته ويُدافع عنها، ويدعو إليها، ويذبُّ عنه، وينشر دينه.

ولا هِجرةَ يا أبنائي بعد فتْح مكةَ، وإنما جهادٌ ونيةٌ، وبَقِيَ الانتقالُ مِن دار الكفر خوف الفتنة إلى دار الأمن مَشروعًا إلى يوم القيامة.
قلتُ: يا أبي، هل أتلفَّظ بالنية؟

قال: لا يا بُنيتي؛ فالنيةُ محلُّها القلب، والتلفُّظ بها بدعةٌ.
((ومَن كانتْ هجرتُه لدنيا يصيبها...))؛ أي: مَن كانتْ هجرتُه لأجل دُنيا يصيب غرَضًا منها، أو لأجل ((امرأة يَنكحها، فهجرتُه)) قبيحةٌ أشد القُبح، مذمومة أخسَّ الذم، فعباداتُ أهل الغفلة عادات، وعاداتُ أهل اليقظة عِبادات.

تكلَّم أخي عبدالله قائلاً: يا أبي، هل يجوز أن نسافرَ لقبر النبي صلى الله عليه وسلم ونُهاجِر؟
لا يا بنيَّ، لا يُهاجَر إلى المدينة مِن أجْلِ شخص الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تحت الثَّرى، وأما الهجرةُ إلى سنَّتِه وشرعِه فهذا مما جاء الحثُّ عليه، فالهجرةُ إلى الله في كل وقت وحينٍ، والهجرةُ إلى رسول الله لشخْصِه وشريعته حالَ حياته، وبعد مماته إلى شريعته فقط.

ابتسم أبي، وقال: ماذا استفدتم يا أبنائي؟
قالتْ عائشة: لا بدَّ مِن الحرص على كلٍّ مِن: النيَّة، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم؛ حتى يتقبَّل الله أعمالنا.

قال محمد: عدم التلفُّظ بالنية، وأن محلَّها القلب.
قلت: سأنصر نبيي محمدًا صلى الله عليه وسلم بتطبيق سنَّته والدعوة إليها.

هنا تحدَّثت أمي وقالت: يجب أن نتعلَّم الإخلاص يا أبنائي، فالإخلاصُ: أن نقصدَ بأعمالنا اللهَ - سبحانه وتعالى - فنكون واحدًا لواحدٍ.

وعليكم أن تُعوِّدوا أنفسكم أن تكونَ أعمالكم كلها لله، تقصدون بها وجهه، وتأتونها بالكيفية التي أخْبَرَنا بها نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم؛ صغيرها وكبيرها.

قال أبي: أحسنتُم يا أحبائي، هيا لتناوُل الغذاء، وبعدها نمرَح ونستمتع بالحديقة الغناء وخَلْقِ الله.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/literature_language/0/85351/#ixzz4iK80glgz

Tagged as:
About the Author

Write admin description here..

0 التعليقات:

تابعنا على الفيسبوك

الأقسام

حديث (3) دروس (1) قرأن (1) قصص (3)

رمضان كريم

رمضان كريم

مواقيت الصلاة

back to top